الرئيسية / اعمدة / اقـتـصـاد الـفـرّاشـات

اقـتـصـاد الـفـرّاشـات

اعمدة
مـــــريــــة مــــكريـــم 06 يناير 2012 - 12:14
A+ / A-

في أحد الأحياء الجديدة جنوب الدار البيضاء، تم بناء سوق نموذجي يضم محلات تجارية لبيع الخضر والفواكه واللحوم. بعد أشهر قليلة من افتتاح السوق، كانت «الفْرّاشات» قد احتلت كل الفضاءات الجانبية الموازية له. بأثمنة أرخص طبعا… وبزبائن أكثر ربما.  في شارع محمد السادس، أحد أكبر شوارع العاصمة الاقتصادية، والمتكون من أربعة ممرات للسيارات في كل اتجاه (4X2)، أصبح من الصعب على سيارة واحدة المرور بأمان. الشارع الذي يعرف اكتظاظا كبيرا بالحافلات والطاكسيات الكبيرة والسيارات أصبح أكثر نقاط المرور سوادا في المدينة البيضاء. «الفراشات» التي كانت منذ أشهر تحتل الرصيف أصبحت اليوم تحتل الرصيف وحوالي ثلثي الشارع.  كورنيش المدينة البيضاء نفسه لم يسلم من زحف الفراشات. باختصار، لم يعد هناك تقريبا فضاء تجاري لم يتم «اكتساحه» من طرف الاقتصاد غير المنظم… الأرقام تتحدث عن أزيد من 400 ألف فراشة في الدار البيضاء لوحدها.  السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو: إلى متى ستتغافل سلطات المدينة عن الأمر؟ أن نترك شخصا يستغل الفضاء العمومي لبيع منتوجات ما بدون وجه حق، معناه أن نجعله يعتبر، مع مرور الوقت، أنه صاحب حق. سيصعب بعد ذلك طرده لأن هذا الطرد سيصبح تعسفيا بالنسبة له وحرمانا له من «مصدر رزقه».  النقطة الثانية التي يجب أن تسترعي انتباهنا هي علاقة المواطنين بهذا النوع من التجارة، حيث أصبحنا نعتبرها أمرا عاديا لا يطرح أي إشكال. بل إن البعض يذهب إلى تشجيع هذا النوع من «تجارة القرب». لنعترف، بعيدا عن الشعارات الفارغة، بأن في ذلك شكلا من أشكال اقتصاد الريع بحجم صغير تمارسه مافيات صغيرة. لماذا علينا أن نحارب اقتصاد الريع حين يستفيد منه أغنياء أو ذوو سلطة، ونتجاهله، بل ونشجعه، حين يكون المستفيد منه بحجمنا؟ الكثيرون يعلمون أن أصحاب الفراشات يدفعون «إتاوات» مالية لأعوان السلطة ولأصحاب البيوت التي يستغلون عتباتها. الكثيرون يعلمون أن بعض السماسرة يعيشون على كراء فضاءات من الملك العام لأصحاب الفراشات… هي مافيا صغيرة لا تحمل اسمها، لكنها تهدد اقتصادنا وتهدد مبدأ احترام القانون.      ثالثا، هناك البعض ممن يعتبرون أنه علينا أن نترك «ولد الشعب يترزق على الله وياكل طرف ديال الخبز»، وبأن في المطالبة بمحاربة هذا النوع من التجارة عجرفة وأنانية من طرف أصحاب السيارات والبيوت المجاورة. لست أفهم هذا المنطق لأني لا أفهم شعبا يريد التطور والتنمية، لكن خارج القانون. أي نموذج اقتصادي نريد أن نتبع؟ كيف نحارب التخلف والفساد في الشركات الكبرى وفي المؤسسات السياسية ونقبل به، بل ونبرره ونشجعه، في أوساط أخرى؛ لمجرد أنها أوساط شعبية «مسحوقة»؟ كيف نفكر في صاحب الفرّاشة وفي صاحب الكرّوصة وننسى صاحب المحل الذي قد لن «يترزق الله» و لن «يأكل طرف ديال الخبز» بسبب منافسة غير شريفة؟ كيف نفكر في شخص يحتل، عن غير وجه حق، الفضاء العام ويمنع السيارات والحافلات والطاكسيات من المرور أو على الأقل من المرور في أمان، على أساس أنه «ولد الشعب» و»من حقو يعيش»؟ إذا احتلته شركات كبرى بهدف الترويج لمنتجاتها، بدون ترخيص قانوني، هل كان كل هؤلاء المدافعين عن الفرّاشات سيقبلون بذلك؟  من السهل أن ننتقد النظام الاقتصادي المغربي المتخلف، والذي يرزح تحت وطأة الاقتصاد غير المهيكل، وأن نشجع في نفس الوقت هذا الاقتصاد غير المهيكل لأنه يحمل بعضا من رائحة الشفقة الشعبوية. من السهل أن نشجع النضالات الشعبوية التي تريح ضمائرنا. سنستيقظ في الصباح بضمير مرتاح لأننا سنكون قد دافعنا عن نظام اقتصادي هامشي «يشجع الفقراء والمستضعفين»، لكننا ننسى أنه نظام يشجع لوبيات معينة ويكرس تخلفنا. نظام خارج التغطية الاجتماعية وخارج القانون وخارج احترام حق الآخر في مستوى عيش بجودة معينة. 

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة