الرئيسية / أقلام الحقيقة / المثال و الابتذال في الفن

المثال و الابتذال في الفن

أقلام الحقيقة اعمدة ثقافة و فن
lioussi cheikh 17 يونيو 2015 - 13:41
A+ / A-

إن أهم التحديات التي عليك أن تكسبها إذا أردت أن تكون رجل اتصال ناجح و مؤثر(و ذلك ينطبق على السينمائي و المغني و الموسيقي و الرسام و غيرهم من رجال و نساء الفن) هي انتقاء الطريقة المناسبة للتعبير عن أفكارك و تمريرها إلى أقصى شريحة من الناس، فلن تستطيع أن تلفت انتباه شخص ما لفترة طويلة إذا كنت تحدثه عن موضوع بأسلوب لا يهمه أصلا.

هدفنا هنا، في هذا المقال الجديد، الاسترسال في الدفاع عن فكرة محورية : أهمية الأسلوب الجيد في التواصل الفعال. بعبارة أخرى، كيف أن المحتوى الجيد لا يكفي، بل من الضروري أن يستند على الأسلوب المناسب، أي ذلك الطريق السريع نحو كسب العقول و القلوب.

في الحياة اليومية، تبدأ معظم محادثاتنا بعبارات من قبيل: “كيف حالك ؟ / هل أنت بخير ؟ صحتك جيدة ؟ “، و الرد يكون في غالب الأحوال ” أنا بخير” و لو كنت في أسوأ أحوالك المادية، العاطفية أو الروحانية. إن المجاملات التي تجد أصلا لها في الكلام الطيب و السؤال عن الصحة و الحالة المزاجية و المصافحة الودودة و الابتسامة العريضة و المرح و التودد… كل ذلك له دور أساسي في تكوين الصداقات و صيانة العلاقات الاجتماعية و حمايتها من البرود و الصدأ. إن هذه العناصر و غيرها طبعا لهي بامتياز بهارات التفاعلات الإنسانية، و تؤسس لأسلوب حضاري في التعامل و لفن أصيل من فنون العيش.لكي تستطيع أن تربح اللعبة المزدوجة للباقة و التواصل الناجح،  يجب أن تدخل إلى عقل الآخر لكي تكتشف رغباته، انك تحتاج عموما إلى أن تجيب عن أسئلة كثيرة: ما الذي يحفز الآخرين ؟  كيف أصل إلى الفهم و التفاهم بدل الشقاق و التصادم ؟ كيف أكون ملاحظا ذكيا و أقرأ حاجات الناس في عيونهم ؟ إذا وفقت في الإجابة عن هذه الأسئلة تكون قد قطعت الخطوات الأولى نحو السيطرة على التواصل لصالحك. صدقني، لا تحتاج أن تكون طبيبا نفسانيا أو عالما في السوسيولوجيا أو خبيرا في التنمية البشرية لكي يتسنى لك فهم الطبيعة البشرية بحاجاتها و غرائزها و رغباتها الدفينة. إن التقنيات التي ستستعين بها يسهل فهمها و تطبيقها، و بمجرد أن تمتلك ناصيتها ومعها الأسلوب الفعال في التعبير والتخاطب، ستعود عليك بالنفع و تصبح إنسانا جديدا.

هناك الفن الحقيقي، الفن الهادف،المستند على الأسلوب الراقي في مخاطبة الوجدان، المطهر لروح الإنسان و المسافر به في آفاق الاكتشاف و البناء، و هناك الابتذال في الفن.هناك الفن الذي يعرف على أنه ممارسة لأسمى مستويات الحرية إذ بواسطته  يمارس الإنسان أقصى درجات التحرر، فيتحرر من قيد الجسد بالرقص، و من قيود الرتابة بالموسيقى، و من قيود المادة بالفن التشكيلي، ومن قيود اللغة التداولية بالشعر والأدب، فيعيد بناء عالمه ويطور ثقافته، من أجل هذه الحرية المبدعة التي لا توجد إلا في الفن. هناك الفن الذي يفتح أمام الإنسان آفاقا للتعبير و الابتكار و ضخ دماء جديدة في شرايين الإبداع مع تحمل المسؤولية و دون إلحاق أضرار مادية أو معنوية بالمجتمع، و هناك الفن الذي يزعم أنه كذلك، لكن همه انتهاك القواعد و الضوابط الأخلاقية، و قد يعمل بعض مروجيه على زرع الفوضى و الفتنة مستهدفين قيم و قناعات شعب ما، خلف ستار حرية بلا حدود.الحريّة كمفهوم تشمل وجود إطارٍ عام لا يتحكم بالحرية الشخصية، ولكن ينظمها ويحفظ حريات الآخرين. فكل إنسانٍ له حريته، ولكن حريّة الشخص تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. فلستَ وحدك الحرّ في هذا العالم، ولكن كل البشر أحرار ولهم الحق في اتخاذ قراراتهم؛ على ألا تؤثر على الآخرين. إنّ إساءة استخدام مفهوم الحريّة؛ لهو من أكبر البواعث على انتشار الفوضى والفساد. وغياب الضوابط المادية والمعنوية للحريات؛ يجعل من ممارسة الحريّة أمراً يشبه الحرب الشعواء، فيكون البقاء للأقوى والحرية الغالبة هي حرية صاحب القوة والنّفوذ، وتنتفي هذه الصّفة عن عامّة النّاس. فإذا أعطى شخصٌ لنفسه الحق أن يُخالف قوانين السَّير مثلاً لأنه حرّ؛ فلن نتوقع شيئاً غير الكثير من حوادث المرور، وإذا قرَّر شخصٌ لأنّه حرّ أن يشتم هذا ويهين ذاك و يعتدي على شرف الآخر أو ماله أو أسرته، سوف نجد أنفسنا أمام مجتمع موزع بين العدوان و الانتقام.

إن هناك بعض الأصوات تتعالى في المغرب لرفع الرقابة عن الفن و اعتبار هذا الأخير لا يتحقق جوهره إلا خارج القيود و داخل نمط تعبيري لا يعترف إطلاقا بالحدود : الدين، و منظومة القيم، و المسموح و الممنوع في العلاقة بالجسد، و التفاعلات بين الرجال و النساء في المجتمع، و هلم جرا…إن الفن الذي يتجاهل تاريخ بلد ما وتكوينه الاجتماعي وثقافته و مخزونه الحضاري و يسعى إلى ضربه أو الاستهزاء به عن قصد أو عن جهل  ليستحق إعادة النظر في توصيفه على الأقل في المستوى الاصطلاحي : هل هو فن أم شيء آخر.قد تكون  أخلاق المغاربة مختلفة و كذلك نظرتهم للعالم و طرائق التعبير و فهم موروث القيم، ولكن الذي يتفق عليه كل المغاربة هو أن الحياء والاحترام المتبادل داخل الأسرة بين الآباء و الأبناء قيمة لا جدال فيها، لذلك فإن الأسر المغربية اليوم أو غدا أو بعد غد ستواصل رفض التفرج الجماعي في التلفزيون أو السينما (على سبيل المثال) على كل منتوج سمعي بصري يروج لمظاهر العري والممارسات الجنسية والكلام الساقط و أفعال و إشارات البذاءة.إن المغرب ليس هو أوروبا أو فرنسا حتى نسمح لبعض “الفنانين” أن يستهدفوا ثقافته و قيمه العريقة باسم الحرية. لسنا مجتمعا فاضلا أو كاملا. مستحيل أن نكون كذلك، لكن من يخلطون خلطا متعمدا بين حرية التعبير وحرية التخريب، لا يقيمون في واقع الأمر أيَّ وزن لما نسميه بحس المسؤولية وقيم المجتمع التي إن مست بسوء أثارت حفيظة المجتمع، بل ربما القلاقل و الاحتجاجات و زوابع الغضب و الاستنكار. إن الحرية في السينما و المسرح و الغناء و الرقص و الكاريكاتير و تبادل عبارات و أحاسيس الحب مكفولة بقوة القانون، لكن بعضا من الوصاية و عدم السماح بتخطي الخطوط الحمراء لا يضر الفنان في شيء بل ينفعه و معه المجتمع ككل ، طالما أن الحرية مسؤولية، أولا و أخيرا.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة