لالة مفتاحة..مشكاة ابن كيران التي خمدت

يوم شديد الحزن هذا الذي يعيشه ابن كيران، فبعد أزماته المتتالية ومشاكله المتوالية، هاهي ذي أمه تفارقه وتغادر الحياة معمقة جراحه وتاركة أثر حزن لن يمحوه الزمن ما دام حيا

اليوم يفارق ابن كيران روحا طالما ألهمته وكانت نبراسا موجها يلجأ إليه في الشدائد وعند احتياج المشورة و خلال أوقات الحزن والضيق

لالة مفتاحة الشامي، المرأة العصامية التي بنت نفسها بنفسها وشقت سبل العلم والتعلم بجهد ذاتي، أشهر أم سياسي في المغرب، دخلت البرلمان ومجالس الحكومة وتصدرت عناوين الصحف ولما تمارس السياسة، ملاذ ابن كيران عند الأزمات، وصاحبة الخبرة والحكمة والكياسة التي لا تبخل على ابنها بالنصائح والمشورة كلما اقتضى الأمر

  مدينة فاس سنة 1925 شاهدة على ميلاد طفلة، لم يكن أحد يعلم أنها ستصبح يوما أما لثاني رجل في الدولة، من فاس إلى الرباط زوجة فأما ثم جدة، استطاعت لالة مفتاحة أن تجر خلفها سنوات طوال من التجربة، ودروسا من العلم استقتها من مدرسة الحياة فكان لها الأثر الكبير على شخصيتها وعلى طريقة تربية أولادها، ولعل عبد الغله ابن كيران تشرب بعضا من ذلك

تأثر ابن كيران بوالدته، تجلى في غيرما مناسبة، فهو الذي صرح أنها تكاد تكون مقدسة عنده، وهي التي كانت سببا في ولوجه عالم السياسة وتعاطيه مع الشأن العام، خلافا لوالده الذي كان لا يولي ذلك اهتماما كبيرا

ابن كيران اعتبر وصف والدته في لقاء حزبي سابق ب الحاذقة وصاحبة المكانة العظمى في قلبه، مضيفا أنها أثرت فيه كثيرا ومازالت.

مرض لالة مفتاحة شكل مناسبة أخرى جلت تعلق ابن كيرا نبها وبينت مدى قوة علاقتهما، فتعرض السيدة لوعكة صحية أدخلتها المستشفى العسكري بالرباط، جعل ابن كيران يستكين في بيته لمدة، أعقب ذلك شهادة له تفيد مدها إياه بين اليقظة والغفوة، بأمثلة ونصائح نفسة “لم أسمع بها من قبل”

ابن كيران سبق أن أعلن في بداية ولايته الحكومية أن والدته  التي كانت تقطن وحيدة بحي المحيط في الرباط، انتقلت للعيش معه في بيت زوجته نبيلة بحي الليمون.

لالة مفتاحة، استطاعت أيضا بصمت علاقة مميزة مع الملك محمد السادس، ففضلا عن تكفله مصاريف علاجها عقب الوعكة الصحية التي المت بها، حكى ابن كيران، في إحدى المناسبات، أنه ودع الملك يوما ثم عاد إلى بيته، ولما سألته أمه أين كان، أجابها أنه كان يودع الملك، فعقبت، هل سألت عنه كيف وصل؟ بعدها  أخبر ابن كيران مستشار الملك، فؤاد عالي الهمة بالقصة، التي أعقبها إحضار الملك هدية لأم ابن كيران

اليوم يفقد ابن كيران جزءا كبيرا منه، ويخفت النور الذي كان يسترشده، اليوم ترحل لالة مفتاحة فاتحة أبوابا من الحزن أمام ابنها الجريح، مكسرة إحدى جناحيه، تاركة بيت رئيس الحكومة خربا خاويا على عروشه كأن لم يسكن بالأمس.