الرئيسية / ثقافة و فن / أبو حفص يكتب.. هكذا رأيت الموت

أبو حفص يكتب.. هكذا رأيت الموت

ثقافة و فن
مـــــريــــة مــــكريـــم 07 أكتوبر 2014 - 17:27
A+ / A-

كعادتي لم أنم إلا قبيل الفجر بساعة أو ساعة و نصف…حاولت بعد الفجر النوم لأني مقبل على سفر و عادة ما يكون النوم عدوي الأول…حاولت جهدي دون فائدة..فقد تعودت منذ الصغر ألا أنام إلا قليلا…بل قليلا جدا… هاجمتني الخواطر من كل حدب وصوب…من شرق الأرض إلى غربها…و عن أقرب الناس لي لأشدهم بعدا…لكن خاطرة دون ذلك كله هاجمتني بكل قوة…لا أدري كيف و لم…تذكرت كل أولائك الذين ينهشون في عرضي … بأكاذيب باطلة..بسب جارح…بشتم قادح…بافتراءات بينة…بخوض في العرض و الذمة…بطعن في الصدق و الفطرية….ملأت قلبي بكل تلك التهم والافتراءات…ثم قررت و أصررت على أن أفرغه منها كلية…لم أخطط لهذا أبدا…لكن هاتفا ظل يلح علي في أن يكون قلبي هذا الصباح نقيا صافيا ليس فيه حقد على بشر مهما أساء أو تجاوز الحد…كأنني على موعد مع الموت….. حملت هاتفي و كتبت على حائطي: إلى كل من افترى علي يوما……..لكل هؤلاء أقول: تصدقت عليكم بعرضي …سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم… اتجهت إلى مكتبي لوضع آخر اللمسات على حلقة ذلك اليوم من برنامج ( في العمق)…كانت الحلقة السادسة حول تاريخ القضية الفلسطينية…وموضوع ذلك اليوم كان مثقلا بالأحداث…من مجزرة صبرا وشاتيلا الى الانتفاضتين الأولى و الثانية و مسلسلات السلام البئيسة….هيأت الوصلات و الفواصل…و ذهبت لتناول طعام الإفطار قبل الانطلاق… قبل أن يصل الطعام للمائدة…هاجس وحيد يلح على ذهني بكل قوة…لاتترك لأحد عليك غلا في قلبه ظالما كنت أو مظلوما…لم أكن أعلم سر سيطرة هذا الهاجس علي ذلك الصباح…أدرت أرقام الهاتف لشخص يعتقد أني يوما قد ظلمته ونلت منه …حمدت ربي على رده…تركت مائدة الافطار و أقسمت ألا أضع الهاتف حتى يطيب خاطره و يرتاح باله…شرحت له بتفصيل أسباب وهمه في ظلمي له…ثم طلبت منه العفو والصفح رغم أني متيقن من برائتي وصدقي…ألححت عليه حتى فعل…لم أكن أعلم ما سر ذلك الإلحاح على تصفية كل الخواطر و العفو عن كل المسيئين… ركبت السيارة مع ابني أسامة ذي الإثني عشر ربيعا…اقتنيت لوالدتي و أسرتي قسطا من التين الهندي الشمالي لمعرفتي بحبهم له لطعمه النادر وحلاوته الغامرة….و توجهت إلى الطريق السيار المتجه من فاس إلى الدار البيضاء.. مع بداية الطريق بدأ النوم يداعب جفوني…حاولت صرفه بتبادل أطراف الحديث مع أسامة…أحيانا أجد نفسي أفكر في حلقة اليوم من البرنامج…لكن رغبة في التسامح مع الكون بأسره هي التي كانت تغلبني…أحسست بأن النوم بدأ يسيطر على جوارحي…لكنني فكرت في مغالبته كما أفعل مرارا في أسفاري التي لا تتوقف….غالبته المرة تلو الأخرى إلى أن قررت التوقف لأخذ حصة من النوم…لكن محطة البنزين المتاخمة لمدينة مكناس لاحت لي عن قريب…ففضلت المغالبة حتى دخول المحطة… لم أشعر بعدها إلا و صياح أسامة يملأ أذني….لم يكن انحراف السيارة إلى موضع خطر يخاف منه…ليس إلا شجيرات دون ذلك الفاصل الحديدي المعتاد…لكن صراخ أسامة أصابني بالارتباك وعدم التركيز…فحولت المقود للجهة اليمنى والسيارة تسير بسرعة تتجاوز المائة…ففقدت كل تحكم لي عليها…حاولت ردها للطريق فلم أفلح…فنزعت يدي و استسلمت لها استسلاما تاما…انقلبت جانبا ثم على رأسها مرتين…حينها أيقنت أنه الموت… في لحظات قصير ة تذكرت كل ما كان من سالف عملي…تذكرت ذنوبي و إسرافي…استحضرت للحظات مشاهد إقبالي على ربي…لم يكن لدي شك أنه الموت…و أن غفلتنا و اغترارنا بطول الأمل قد أهلكنا…أنظر إلى السيارة تتدحرج يمينا وشمالا و أماما و خلفا و أتذكر كيف أن كل الأحلام و المشاريع و المخططات و الآمال ذهبت هباء بقوله كن فيكون…كانت لحظة من بين لحظات نادرة رأيت الموت فيها قريبا جدا في حياتي…أيقنت كم هي حقيرة هذه الدنيا و كم هو هش بنيانها و كم هو سراب عيشها…. لم أستشعر أبدا أبويتي كما استشعرتها ذلك اليوم..صورة ابني أسامة وهو يصارع الموت لا تفارقني لهذه اللحظة….أراه ينقلب المرة تلو الأخرى و رأسه يتجه إلى زجاج السيارة فيهتز كياني…أتراه لن يملأ البيت بعد اليوم بابتسامته و مقالبه و دعاباته….أتراه لن يؤثث حياة أمه و إخوانه و أصدقائه بشغبه و مرحه …أتراه لن يزعج أباه و أمه بعد اليوم بأسئلته و إلحاحه على مطالبه….ألن يقدر لي بعد اليوم أن يكون صاحبا لي في أسفاري و أنشطتي و تحركاتي كما يحب هو ذلك و يحرص عليه.. لم تفارقه عيني حتى توقفت السيارة لوحدها بعد تدحرج و انقلاب…لم آبه بنفسي و ما جرى لي حتى اطمأننت على حاله و حياته…أزلت عنا حزام السلامة الذي كان له الفضل بعد الله تعالى في نجاتنا و طلبت منه الخروج و القيام ليطمئن قلبي…لم أصدق للحظة أننا لا زلنا أحياء…حمدت المولى وشكرته ألف مرة…و كلمت صهري عبر الهاتف ليلحق بي…التفت مرة أخرى إلى أسامة أطمئن عليه…فوجدته قد حمل هاتفه الذي اشتراه حديثا…و فتح المصحف الإلكتروني…و يقرأ آيات من كتاب ربه لعلها كانت السبب في بقاء روحه مرحة كما كانت و كأنه لم يكد يصافح الموت ثم يعود للحياة….. لم أصدق و أنا أرى السيارة المحطمة تماما أن حالة أسامة و حالتي لا تتعدى كدمات و رضوضا هنا و هناك…وضعت الصورة على الحائط و حمدت ربي ألف مرة ….ثم استسلمت لنومة وراحة…لأستيقظ فأجد مئات الاتصالات و الرسائل في انتظاري….

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة