الرئيسية / أقلام الحقيقة / ما وراء محاكمة ساركوزي

ما وراء محاكمة ساركوزي

أقلام الحقيقة
مـــــريــــة مــــكريـــم 07 أكتوبر 2014 - 18:10
A+ / A-

ما أن غادر الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي قصر الاليزي حتى بدأت متاعبه مع القضاء الفرنسي التي توجت – حتى الآن – بمتابعته رسميا من طرف قاضي التحقيق بتهمة استغلال ضعف أغنى سيدة في فرنسا للحصول على أموال وظفها في حملة الانتخابات الرئاسية عام 2007. هذا الحدث الاستثنائي يستدعي تجاوز التفاصيل المثيرة التي يمطرنا بها الإعلام لإلقاء الضوء على بعض أبعاده العميقة. الإشكالية الأولى تهم العلاقة الجدلية بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية التي يصعب ضبطها رغم الهندسة السياسية التي وضعها مونتسكيو منذ زمن بعيد والتي مازالت تؤسس إلى اليوم للعلاقة بين السلط الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) بمبدأ فصل السلط. قبل سنوات حين كان رئيسا للدولة طالب ساركوزي بإلحاح القضاء الفرنسي بأن يذهب الى أبعد مدى في قضية “كلير ستريم”. حتى أن صديقه السابق وغريمه السياسي دومينيك دوفيلبان الذي توبع في هذه القضية اتهم علانية ساركوزي بأنه يسعى إلى توريطه بالضغط على القضاء سعيا إلى إدانته. القضية نفسها بدأت بتوجيه شكاية مجهولة المصدر إلى القضاء تتهم مسؤولين سياسيين بينهم ساركوزي الذي كان يستعد للانتخابات الرئاسية وأيضا رجال أعمال بأنهم يدبرون ممارسات خطيرة ولهم حسابات في الخارج لتلقي عمولات. ثم تبين بعد ذلك أن الكثير من المعطيات مزورة وأن الشكاية الغرض منها تصفية حسابات وتوظيف القضاء لهذا الغرض. دارت الأيام ليجد ساركوزي في مواجهته قاضي التحقيق في محكمة بوردو يعمل بنصيحته أمس بالذهاب إلى “أبعد مدى” في تحقيق العدالة. فبعد شهور من التحقيقات التي شملت المقربين من الرئيس السابق وتفتيش مكاتبه والاستماع إلى ساركوزي كشاهد، انتهى الأمر بتوجيه اتهام رسمي إليه. الموقف غير واضح تماما. لأنه من الصعب معرفة الحقيقة والحكم هل أن قاضي التحقيق يعمل باستقلالية لتنفيذ القانون، أو أن القضية فصل آخر لتصفية الحسابات بين فرقاء سياسيين يوظف فيه القضاء، أم أنه وجه آخر للعلاقة الصعبة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، خصوصا وأن الرئيس السابق لم تكن علاقاته بالقضاة على ما يرام. القضاء الفرنسي متهم بأنه متساهل عموما ويصدر أحكاما مخففة، ومن المفارقات أن حكومة ساركوزي قررت أن تسمح بمشاركة مواطنين في هيئة المحكمة لإصدار أحكام أكثر صرامة لمواجهة تنامي الانحراف والجريمة. هذه التجربة التي لم يحبذها القضاة فشلت، فيما يبدو الجهاز القضائي وكأنه يريد أن يثبت اليوم بأنه يطبق القانون بصرامة، يستوي في ذلك المواطن العادي ورئيس سابق للجمهورية! الإشكالية الثانية التي تطرحها محاكمة ساركوزي هي العلاقة بين حرية التعبير والرأي والقضاء. فهل يجوز انتقاد قرارات وأحكام القضاء بحجة حرية الرأي والتعبير؟ أنصار الرئيس السابق سارعوا إلى انتقاد قرار قاضي التحقيق بتصريحات مهذبة أحيانا وبعبارات قاسية أحيانا أخرى، حتى أن أحدهم ذهب إلى حد اتهام القاضي بتشويه سمعة الدولة الفرنسية وتهديد الديمقراطية. الرد على هذا الاتهام جاء سريعا من نقابة القضاة التي طالبت بمحاكمة صاحب هذه الاتهامات. الموضوع شائك، لأنه من جهة يصعب الإقناع بأن حرية التعبير والرأي يمكن أن تشمل كل القضايا والمواضيع و تتناول كل المؤسسات والسلط إلا السلطة القضائية. إذا ثبت تقصير أو ظلم من القضاء، لا يمكن مؤاخذة المتضرر إذا اشتكى علنا، ولا مؤاخذة من يرفع صوته مطالبا بتقويم الخلل وتحقيق العدل. لكن من جهة أخرى قد يستغل البعض حرية التعبير والرأي للضغط على القضاء والتأثير عليه، وقد يصل الأمر إلى المساس بهيبة القانون والدولة من خلال التجني على القضاء وتقويض سلطته. المعادلة صعبة لإيجاد حل وسط يضمن مبدءا ثابتا هو حرية الرأي والتعبير وبين الحرص على مؤسسة رئيسية من مؤسسات الدولة هي السلطة القضائية. متابعة ساركوزي تؤشر إلى إشكالية ثالثة تهم العلاقة الملتبسة بين السلطة (التنفيذية) وسلطة المال وتأثير ذلك على الديمقراطية. الشبهة التي تطارد ساركوزي تحوم حول تلقيه أموالا غير مشروعة وظفها في حملته الانتخابية في 2007. القانون الفرنسي يحدد حجم الأموال التي يمكن أن يصرفها أي مرشح في أي نوع من الانتخابات. الهدف طبعا هو قطع الطريق أمام تأثير المال على السياسة. لكن المعروف أن حظوظ النجاح في الانتخابات ترتبط إلى حد كبير بقدرة المرشح على تسويق صورته في وسائل الإعلام ومن خلال المهرجانات والملصقات والوسائل الدعائية. بيد كل ذلك يتطلب أموالا كثيرة، لذا يلجأ السياسيون إلى أصحاب المال لتمويل حملاتهم بشكل سري. ولما كان أصحاب المال لا يقلون دهاء عن السياسيين فأنهم يقايضون الدعم المالي بخدمات يقدمها السياسيون. هذا التداخل بين السياسة والمال يخلط الأوراق، ما يؤدي الى زعزعة القناعات حول جدوى الانتخابات والديمقراطية. قضية محاكمة ساركوزي تثير الانتباه إلى قضايا جوهرية لم تحسم بعد في الدولة الحديثة، عن علاقات السلط الثلاث في ما بينها، والتداخل بين السياسة والمال والإعلام، ودور القانون، وحدود حرية الرأي، ومستقبل الديموقراطية. من الصعب التأكيد إن كانت محاكمة ساركوزي القضائية صائبة، غير أن المؤكد أن “محاكمة” فكرية لبعض المفاهيم ستكون ولا شك ذات جدوى. 22:57

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة